الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الأستاذ شوقي الطبيب (رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد): تونس مهدّدة بأن تصبح دولة مافيوزية.. وقـد يصل الفساد الى المؤسسة العسكرية

نشر في  23 مارس 2016  (10:08)

 نستضيف في هذا العدد من «أخبار الجمهورية» العميد السابق للمحامين ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الأستاذ شوقي الطبيب، الذي تحدّث عن أبرز أسباب انتشار ظاهرة الفساد واستفحالها بعد الثورة رغم تغيير النظام الحاكم كما تطرق الى نتائجها الخطيرة..
شوقي الطبيب أكّد لنا أيضا حقيقة تصريحه المتعلق بتورط أجهزة الدولة في 90 بالمائة من قضايا الفساد وكذلك عن علاقته بالنادي الإفريقي وحبه الذي لم يستطع إخفاءه..

 ماهي الأسباب التي ترون أنها ساهمت في انتشار ظاهرة الفساد رغم تغيير النظام الحاكم؟
في الحقيقة لا مجال إلى التطرّق إلى ظاهرة الفساد أو عن أسباب تضاعف انتشاره واستفحال دائرته، دون الحديث عن مخلفات العهد السابق باعتبار انّ أصل المشكل قيمي. وتتعلق هذه المشكلة القيمية بالأساس في التغير الكبير في عقلية التونسيين -تقريبا خلال العشرية الأخيرة من حكم بن علي-، حيث أنهم باتوا يمنحون هامش الاعتبار الأقوى للربح السهل والوصولية والمحسوبية.
وهذا بطبيعة الحال قد خلّف اثرين اثنين يتمثلان في مسألتي انتشار الفساد الصغير من ناحية، وانتشار الفساد الكبير الذي ضرب مفاصل الدولة بعد أن كانت تغذيه وترعاه مصالح العائلتين النافذتين للرئيس السابق من ناحية أخرى.
- وماذا عن فترة ما بعد الثورة؟
للأسف فإن ثورة التونسيين على منظومة الفساد، خلّفت في نفس الوقت  تداعيات سلبية استهدفت مؤسسات الدولة وساهمت في اضعافها. وخاصة بعض المؤسسات التي كانت تعتبر الحامية للمنظومة، والتي نعني بها بالأساس المؤسسة الأمنية والسلطة القضائية والإدارة وغيرهم.
كما أن فرار المخلوع وعائلته والأشخاص المقربين منهم، كل ذلك قد أحدث ثغرات على مستوى مؤسسات الدولة، والتي لم يتم ملؤها نظرا لحساسية المرحلة الانتقالية التي كنا نمر بها. فاستغلت بذلك بارونات الفساد ومؤسساته التي كانت موجودة من قبل هذه الثغرات لتملأها وتسدّ فجواتها خاصة أن الأرضية على المستوى المؤسساتي والقانوني والتشريعي كانت متاحة لهم.
 وبالتالي يمكن القول إننا قد طردنا «عرّاب» الفساد وذيل الحية لكننا تركنا رأسها، ولم نراجع مؤسسات الدولة ومنظومتها التي اعتبرت الأرضية الخصبة لهذا الفساد.
فأصبحنا بذلك نعاني من فساد عشرات العائلات بعد أن كنا نعاني من فساد عائلتين فقط ، فالطبيعة تأبى -للأسف- الفراغ!
- وبالحديث عن الأسباب؟
الأسباب تتعلق تحديدا بوضعية اللااستقرار التي كنا نعيشها سواء على المستوى السياسي أو التشريعي، ناهيك عن مرورنا بفترة الانتقال الديمقراطي التي لم تكن تمكننا بأي حال من الأحوال سواء كنا في تونس أو في بلد آخر من القضاء نهائيا على الظاهرة الذي تحتاج مكافحتها إلى استقرار تشريعي وسياسي وهذا ما لم يحدث.
أمّا فيما بعد فقد داهمتنا أولويات أخرى هامة تتعلّق بالأمن جاءت في خضم الحرب على آفة الإرهاب، وبطبيعة الحال فقد سهّل هذا استفحال ظاهرة الفساد..
- أدليت بتصريح غامض وخطير قلت فيه ان 90 بالمائة من  قضايا الفساد مورطة فيها أجهزة الدولة فهل توضح لنا ذلك؟
في الحقيقة هو ليس بتصريح غامض أو خطير باعتبار انه كلام تم إخراجه من سياقه، حيث أنني قلت انّ 90 بالمائة من الملفات والشكايات التي ترد على هيئتنا تعلقت بالأساس بالإدارة التونسية بمفهومها الواسع الذي يتدرّج من ابسط حاجب إلى أعلى هرم في السلطة وهو بطبيعة الحال رئيس الجمهورية.
ولمزيد التوضيح فإنّ تلك النسبة المحسوبة على شكايات المواطن التونسي تتعلق بالدولة، خاصة أننا نعيش في ظل دولة مركزية وإدارة قوية ماسكة بدواليب الدولة.
مع العلم انّ كل التصريحات التي ندلي بها تستند إلى إحصائيات دقيقة، تتمثل قاعدتها الأساسية في الملفات الموضوعة على ذمتنا أيضا. وفي هذا الصدد سأفسر نقطة هامة متعلقة بمقاربات دائرة الفساد وهي أنها إما ان تستند إلى معطيات ودلائل تملكها لإصدار الأحكام وإعطاء التقارير أو إلى سبر الآراء أو إلى الملفات الشفافة التي بحوزتها كما هو الحال لهيئتنا.
- ولو تحدد لنا أبرز القطاعات التي استفحل فيها الفساد؟
تحتل الشكايات المتعلقة بالصفقات العمومية الحيّز الأكبر من جملة شكايات المواطنين، كذلك المتعلقة بالأمنيين وبمصالح الديوانة والجباية وأيضا بأسرة العدالة. وفي هذا السياق ارغب في التوضيح انّ المقصود بالعدالة، هو مرفقها الشامل أي أن هنالك قضاة ومحامين وخبراء عدليين وكتبة محاكم وعدول التنفيذ.
كما تجدر الإشارة إلى انّ  70 بالمائة من الشكايات التي ترد على الهيئة تخرج عن اختصاصها في حقيقة الأمر.
- هناك اتهامات عن فساد استفحل في الحملات الانتخابية التشريعية والرئاسية السابقة، فهل ثبت دليل تورط بعض الوجوه الفاعلة وماهي الخطوات التي اتخذتموها؟
إلى حد الآن لم تصلنا ملفات أو شكايات تخص انتخابات 2014 ، لكن كملاحظ عادي وكحقوقي وكغيري من المتتبعين للشأن العام، تبيّنت انتشار مظاهر السطوة ونفوذ المال السياسي واستعمال الإعلام ناهيك عن تجاوزات لم يتم التعاطي معها بحزم. هذا الى جانب المخالفات الخارقة للقانون خاصة في ما يتعلق بملف التزكيات في الانتخابات الرئاسية، الذي مازال مسكوتا عنه إلى حد اليوم.
كما نخص بالذكر، ملف التجاوزات المالية التي ذكرت دائرة المحاسبات البعض منها، ويكفي أن أكون حقوقيا حتى اتبيّن أن غالبية المترشحين للانتخابات الرئاسية ـ إن لم نقل كلهم ـ قد صرفوا ما يناهز الـ 70 ألف دينار في حملاتهم الانتخابية. ولا احد فيهم قد نشر في صفحته الرسمية مصادر موارده المالية ومصاريف حملاته بكل شفافية ودقة.
وهذا يدل على مؤشرات سيئة للغاية، باعتبار أن غالبية هؤلاء الأشخاص الذين يعتبرون من نخبنا السياسية ـ سواء كان بعضهم في الحكم والبعض الآخر في المعارضة ـ قد كرّسوا مثالا سيئا في أعين المواطن العادي والبسيط بسبب طريقة تعاملهم وعلاقتهم مع المال السياسي وتعاطيهم مع آليات الرقابة واليات الزجر والمحاسبة سواء على المستويين الإداري أو القضائي.
وبالتالي كل هذا يصبّ في المؤشرات السيئة والمنحرفة التي تغذي العقلية السائدة القائلة، بان الحساب لا يطال سوى الفقير والضعيف لا غير.
- ولماذا لم تتخذ الهيئة الاجراءات المطلوبة في ما يخص هذه الخروقات؟
أنا موجود هنا منذ شهرين فقط وبالتالي لا يمكنني تقييم عمل من سبقني، لكن من الواضح أن الهيئة لم تكن لها الإمكانات المادية واللوجستية الكافية لمراقبة هذه الخروقات. ونفس الشيء كان يتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات رغم أن لديها السلطة القانونية للقيام بذلك .
وهو ما يتيح المجال لطرح السؤال المتعلق  بالقضاء، أين هو القضاء في ظل كل هذه المخالفات والجرائم الانتخابية المرتكبة جهارا نهارا وفي ظل غياب كامل لهيئات الرقابة والمحاسبة؟
- وبرأيك ماهي أسباب غياب القضاء في معالجة هذه الخروقات؟  
لا شكّ في انّ القضاء التونسي يعاني كما هو الشأن  بالنسبة لكل الهيئات وأجهزة الرقابة من ضعف فادح في الإمكانيات المادية واللوجستية، في ظلّ معاناة منظومة العدالة في تونس من تشتت تشريعي يتعلق بالنصوص القانونية وغموض بعض النصوص القانونية.
وبرأيي فان التحدث عن قضاة فاسدين بالنظر لكل هذه المشاكل أمر عادي لا يحدث في تونس فقط بل في العالم بأسره، لذلك وجب منح القضاء التونسي الإمكانات المادية واللوجستية المناسبة للاضطلاع بدوره على أحسن وجه.
- في الحكومة الحالية يعتبر سعيد العايدي وناجي جلول أكثر وزيرين اجتهدا لمحاربة الفساد والفوضى ، وبلغنا أن هنالك ملفات وصلتكم من قبلهما فهلا تقدمون لنا مزيدا من التفاصيل؟
أولا أود القول ان قطاع التربية والصحة يعتبران من بين اهم القطاعات الاستراتيجية في مجال مكافحة الفساد، فقطاع الصحة وباعتبار وجود العديد من الملفات التي تهمه -باعتباره قطاعا حيويا واستراتيجيا- يقوم بدور كبير ليس فقط على مستوى حفظ صحة التونسيين بل حتى على المستوى الاقتصادي. وذلك نتيجة لما يوفره من مرابيح للدولة سواء من القطاعين الصحيين الخاص والعام، أو من خلال مجال صناعة الأدوية المزدهر الذي يعتبر من بين أعمدة الاقتصاد التونسي في المجال الصناعي. ناهيك عن شبكة كبيرة من المؤسسات الصحية والاستشفائية، والتي خلقت بدورها عديد الإشكاليات المتعلقة بصفقات البنايات وتطوير وإصلاح تلك المنشآت. كذلك عديد الإشكاليات المتعلقة بصناعة الأدوية والتراخيص، علاوة على مشكل سرقة الأدوية من المستشفيات العمومية.
وتجدر الإشارة  في هذا السياق، إلى أن الفساد في القطاع الصحي يؤثر على مستوى الخدمات المسداة للتونسيين تقريبا بنسبة 13 بالمائة كحد أدنى وهذا في سنة 2014.
وسوف أتطرق هنا بالذكر إلى أننا وفي إطار رغبتنا في أن يكون قطاع الصحة نموذجا يحتذى به قرّرنا مع الوزير إيجاد شراكة بيننا وبين الوزارة والنقابة، ستنطلق في البداية عبر مؤسستين استشفائيتين كبيرتين سيقع إخضاعهما لمعايير الشفافية والحوكمة الرشيدة لتكون مثالا وقاطرة لبقية المنشات الصحية والعمومية.
- وفي ما يتعلق بقطاع التربية؟
قطاع التربية ننظر إليه بمقاربة أخرى لكونه قطاعا استراتيجيا، يساهم في  بناء قاعدة صلبة لمحاربة الفساد منذ النشأة، ذلك انّ محاربة هذه الظاهرة يجب أن تبدأ من المدارس والمعاهد. ومن هنا تلعب المدرسة دورا هاما في إطار الخطة والإستراتيجيا الوطنية لمكافحة الفساد. وهذا يتم بفضل شراكة استراتيجية بين جميع الهيئات والمؤسسات المهتمة بهذا الجانب على رأسهم هيئتنا وكذلك وزارة التربية.
أما في ما يخص الإشكاليات المتعلقة بهذا القطاع التربوي، فهي تتعلق بملفات الموظفين التابعين لوزارة التربية الذين يتقاضون جرايات أو منح دون القيام بعمل. زيادة على بعض الإشكاليات المتعلقة بعقود إصلاح أو بناء منشآت وهي تكاد تكون موجودة في عديد القطاعات الأخرى..  
أما بالنسبة لوزارة التربية فسوف نقوم بتشريكها أكثر ضمن الخطة الإستراتيجية، عبر وضع مقاربة وبرنامج كامل وشامل لإدخال معايير الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد في برامج التربية.
- بالحديث عن الرياضة، وبوصفك من اشد المقربين للإفريقي، كيف تقيم وضع الجمعية؟
في رأيي يجب أن يقع في اقرب وقت عقد سلسلة من الاجتماعات سواء كانت تابعة للحكماء أو المسيرين السابقين للنادي الإفريقي، أو لجمعيات وخلايا الأحباء للخروج في اقرب وقت ممكن من هذه الأزمة. ويكون ذلك عبر تحليل وضعية النادي بصفة عامة والتدقيق في الأسباب التي أدت إلى هذه الوضعية التي لم يعشها النادي منذ عشرات السنين، وأيضا إيجاد تفسير لهذا السقوط المفاجئ خاصة وان حصيلة النادي الإفريقي للسنة الفارطة كانت ذهبية على جميع المستويات.
واثر ذلك يتوجب الخروج ببعض المقترحات والحلول، وهو ما اعتقد انه سيتم بكل موضوعية بعيدا عن كل التوظيفات والمزايدات.
- كلمة أخيرة في نهاية هذه المصافحة..
في ما يتعلق بملف الفساد، أريد أن أؤكد نقطتين اولهما أنه يجب على الجميع ان يعي بانّ هذا الملف يعتبر من بين الملفات الحارقة والهامة التي تساهم بصفة كبيرة في إعاقة تطورنا ونمونا وتقدمنا وكذلك إعاقة مرحلة نجاح الانتقال الديمقراطي.
النقطة الثانية والتي أريد أن اشدد عليها وتوجيهها في قالب رسالة عاجلة إلى التونسيين بصفة عامة، هي انه بإمكاننا مكافحة الفساد وانه من غير الصائب القول إن الفساد أصبح حتمية نتعايش معها.
لا يجب أن نتعايش مع الفساد، ولا يجب أن نتطبّع معه لأنه لو سرنا في طريق التطبّع مع الفساد فان هذا الأخير سيتحول من وضعيته الوبائية الحالية إلى وضعية اخطر. فنصبح بذلك نعيش تحت ظل دولة مافيوزية، تنتشر فيها بارونات ومافيا الفساد التي لن تكتفي ـ وهذا ما أؤكده ـ بالمواقع الخلفية أو باحتلال بعض المواقع التي تهم الجانب الاقتصادي فقط، بل ستتحوّل إلى ما هو أهم وأعمق إي إلى المراكز العليا للدولة.
 وسيتسرّبون ويتسللون حتى إلى بعض القطاعات الهامة بل سينجحون حتى إلى الوصول للمؤسسة العسكرية التي نتباهى بنزاهتها ونظافتها. وعندها لا قدر الله لن يكون هنالك أي ضمان لا لوحدتنا ولا لسلامتنا.
فلا مجال لغضّ النظر عن هذا الثالوث الخطير المدمّر الذي يغذّي بعضه البعض وهو الفساد والتهريب والإرهاب.

حاورته: منارة تليجاني